تحية لحسن نعمة
قصة القصيدة: كان الشاعر في (ملدوفا) في مهمة رسمية خلال منتصف أغسطس 2004، بناء على دعوة من وزارة الصحة الملدوفية، فتلقاه صاحبه الدكتور حس نعمة الذي كان سفيراً معتمداً فيها من قبل، وقد أشرف على ترتيب الجولات السياحية والمباحثات الرسمية. وبينما الشاعر في سويسرا بعد تلك الزيارة كتب للدكتور حسن هذه الأبيات:
يقولُ لي صاحبي فلْنشكرِ الحَسَنا فإننا لم نجدْ مِـنْ بعـدِه حَسَنا
فقلـتُ يا صاحبي: إنِّــي أخـاطِـبُـه أُزجيهِ شُكراً على إكـرامِه حَسَنا
فهْو الصديقُ الذي قد حازَ معرِفةً تُنيرُ درباً وتجلو في المَـسا الدُّجُنا
قد حازَ شِعـراً وآداباً وفلسَـفةً وحِلْمَ عقلٍ إلى شِعـرِ الأنـامِ رَنا
أبا عليٍّ لقد هيَّجتَ لي الشجنا فليحفَظِ اللهُ في أوطانِـنا حَسنا
إني وإيـاكَ فـي دربِ الحياةِ لنا كؤوسُ صفوٍ وأخرى ماـؤُها أَسِنا
هذي الحياةُ فمَنْ فيها بلا أسَفٍ طوراً تَسُرُّ وطوراً تُـبعدُ الوَسنا
تشكو إليَّ بما في النفسِ من شَجَنٍ وكمْ شكـوتَ ليَ الأحزانَ والزمَنا
فقلتُ يا صاحبي إنَّ الحياةَ بها حلوٌ ومُرٌّ وحـزنٌ طـارئٌ وهَنا
فاصبرْ على الدهرِ إنَّ الدهرَ مُنقلبٌ مَنْ عاشَ يا صاحِ يدفعْ ذلك الثمنا
لنا دُروبٌ تلاقى بعـضُها وإذا شطَّت بنا الدربُ ما شطَّ الفؤادُ بِنا
نأيتُ مثلَـكمُ للعــلمِ مُـغترِباً وعشتُ في بلدٍ بالدرسِ مُمتَحَنا
أخـوكَ يذكرُ ذاكَ اليـومَ أدرُبَه وأنتَ تذكرُ ما قد سـاءَ أو حَسُنا
إنـي وإياكَ لم نقطــعْ تواصُلَنا مهما نأينا فشِعْرُ الودِّ قـرَّبَنـا
كمْ قد سلوتُكَ عن حُزْنٍ وعــن قلقٍ آسي وأطردُ عن أصحــابيَ الحَزَنا
إني أنا الصاحبُ المُصغي لصاحبِهِ وإنني كـاتمُ الأشـجانِ مُؤتَـمَنا
سِرُّ المـريضِ وسِرُّ الخلِّ أكتمُه إذ قد وَرِثتُ أصولَ الطبِّ والسُنـنا
لم يُبرِ طبِّيَ ما في العـقلِ من مرضٍ لأنـني الطَّـبُّ فـيما يُبرئُ البَـدَنا
الكلُّ عندي سَـواءٌ حينَ أُسـعِـفُهمْ مَن يعبُدُ اللهَ أو مـن يعـبدُ الـوَثَنا
لا يهنأُ المرءُ ذو الأوصابِ في نِعَمٍ فالعيشُ في نِعَـمٍ بالصحةِ اقترنا
إن شِئتَ سعْداً فراقبْ صحةَ البَدَنِ واعملْ بتوصـيتي حتى تنالَ مُنى
يا ذا المعارفِ والآدابِ يا حـسناً أُزجي لك الشكرَ يا صاحِ وحُسنَ ثنا
على استضافتِـنا في بيتكمْ وعلى حُسنِ الحديثِ وترحيبِ القلـوبِ بنا
نسلو ببيتِكَ في (جسـنو) ومزرعةٍ يَزيدُكَ اللهُ خـيراً فيهِـــما وهَنا
أصوغُ شكري لكم شعراً أردِّدُه لِما فعلتَ وقد أسديتَ لي الحَسنا
هيهاتَ أنسى صديقاً كلُّهُ أدبٌ يحنو علينا ولم يُبدِ لـنـا مِنَنا
قد كان خِلَّ الصِّبا يروي القصيدَ لنا قد كـانَ مُنذُ الصِّـبا نشَّادَةً لَسِنا
يصوغُ شِعراً لنا والـبحرُ منطلِقٌ بعزفِ موجٍ يَسُرُّ النـفسَ والأذُنا
كنَّا شـباباً وليلُ الـدوحِ يجمعُنا حتى افترقنا وفارقْنا أخي الوطَـنا
فاسألْ أخي (رأسَ بوعبودَ) عنْ سَمَرٍ فكم سَـمـرنا عـلى أسيــافِه زَمَنا
كنَّا نرى الحُلمَ في جمعٍ لأمَّتِنا فبدّدَ الدّهـرُ ذاكَ الحُـلـمَ والوَسنا
فالعِزُّ والنصرُ والتوحيدُ من حُلُمي والقلبُ في وَحْـدةٍ يا صـاحبي فُتِنا
مضت سِنينٌ على أُنسِ الصِّبا وبدت سنينُ شيـبٍ تَزفُّ الهمَّ والحَزَنا
راحَ الشبابُ وزهرُ العُمْرِ يتبَعُه غداً سـأشكو بأنَّ الجســمَ قد وَهنا
لولا اللسانُ وعـقلٌ نيِّرٌ وحِجاً لَما بَرزنا هُـنا يا صاحــبي وهُـنا
سفيرُ داري لـه عــلمٌ ومعرفةٌ لكنَّه بقـريضِ الشــعرِ قـد حَسُنا
فهْو الذي نظمَ الأشعار مِـنْ صِغَرٍ وشطَّ عنِّـي بنَـهجٍ لا أراهُ أنا
يَرومُ في الشِّعرِ وَعرَ الدربِ ملتَمِساً قولَ الغريــبِ وفي ألفــاظِهِ افتُتِنا
كابدتَ في غُربةٍ عيشَ الغريبِ وما نَعِمتَ يا صاحبـي في دارِكم زمَنا
أنتَ السفيرُ وكالمنفيِّ عـن وطنٍ فـعشتَ مُتَّخِذاً دارَ الـوَرى سَكنا
نُقلتَ من بلـدٍ تـجري إلـى بلدٍ كالطيرِ يبحثُ عنْ عُشٍّ وما سَكنا
وعشتَ في بلدِ الأتراك تُخبرُني: من عاشَ في (أنقرى) عاماً فقد غُبنا
قد زرتُكم في ديارٍ كنتَ تسكُنُهـا في الهند خيرٌ وفي (نْيويوركَ) كان عَنا
رافقتني في جبالِ الهندِ تُؤنِسُني وسائقٌ سـاقَ في ثلجِ الجبالِ بنــا
ثم انطلَقنا إلى الآثارِ ندرُسُـها نـزورُ أعلامَـها الأطـلالَ والدِّمنا
وقلتَ لي في بلادِ الهند مبتسماً: نعِمتُ في الهـندِ لكنْ لم تكنْ وَطَنا
قد عِشتَ فيها سعيداً مترَفاً طَرِباً لا زلتَ تَشدو وتُطــــري ما رأيتَ لنا
فانعمْ بعيشٍ رغيــدٍ طيِّبٍ حسنٍ وأنشِـدِ الشعرَ ســـهـــلاً رائعاً حَسَنا
بعد السِّفارةِ أمسـى للحـياةِ سَنا فلا رأيتَ أسىً يا صـاحبي وضَنا
منترو- سويسرا 20 أغسطس 2004