top of page

                                المقامة التطعيمية

أيها الإخوة والأخواتْ، يا ذوي العزائمِ والثباتْ، أحيّيكم بتحيةِ الإسلامْ، فإليكم مني السلامْ، والتحيةَ والإكرام.

في يوم 26 يسمبر2020 أخذتُ الجرعةَ الأولى من التطعيمْ، بعد إصرارٍ وتصميمْ، ضدَّ داءِ كورونا الذميم، أخذته أخذَ طبيبٍ وحكيم. كما أخَذَ معي الإبرةَ الخفيفةْ، أخي عبدُ الله بنُ خليفةْ، وكذلك صاحبُ القرارِ الحاسم، زميلي الدكتور جاسم. ومما قلت آنذاك دون تلكؤٍ وارتباك:

أعطِـني التطـعِيمَ هَيّا      قد جَنى الشـيبُ عَليّا

فهو تحصـِينٌ لجِسمٍ      يُرجِعُ  الشيخَ   صَبيّا

واليوم السادس عشر من يناير، عدت مع أصحابي الأخايرْ، نفس الصحب الأوائل، بعزم وتفاؤل، إلى مركز العبيب، الخالي من العيب. وصحبة الإخوانْ تطرد الأحزانْ. فقابَلَنا البوابُ بابتسام، وقال ادخلوها بسلام. فدخلنا بسرورْ، أنا وعبد الله* والدكتورْ*، وكلٌّ على الصحة غيورْ. فجلسنا للتقييم قبل التطعيم.

وقال لي أحد الأصحابْ، بعد أن أغلق البابْ، ألا تحدِّثُنا عن هذا الداء والوباء، فلك فيه اهتمام، وعلوم وأفهام، فأنت لنا المواسي والطَّب الآسي. فقلت: إن في كورونا عناءٌ عظيمْ، وأنا الناصحُ الفهيمْ، وفوقَ كل ذي علمٍ عليمْ. فاعلموا يا أولي الألبابْ، ليس عندي في التطعيم ارتيابْ، فمن تطعم ما خابْ. إنّ التطعيم يقي من الكرُبات، وهو من أسباب النجاة. فانظروا في العواقبْ، وابعدوا عن المعاطبْ. ولا تسمعوا للجاهل فهو عن العلوم ذاهل. وقد قال صالح بن عبد القدوس (ولا عطرَ بعد عروس):

وإنّ عناءً  أن   تُفهِّمَ  جاهلًا        و يحسبُ جهلاً أنه منك أفهَمُ

فلا تذيعوا وتنشروا ما يقولون بما لا يعرفون؛ فقد قال الشاعر أبو العلاء، حكيمُ الشعراء:

أعوذ بالله من قومٍ إذا سمعوا        خيراً أسرُّوهُ أو  شرًّا  أذاعوهُ

أما يكفي ما قال البستي:

فإن لم تجدْ قولًا سديدًا تقوله        فصَمْتُك عن غيرِ السدادِ سَدادُ

وبينما نحن في الانتظارِ، أتحفتُ أصحابي بأشعاري:

خذوا التطعيمَ واجتنبوا المُصابا          وقولوا  من تطَّعمَ  قـد أصابا

سمِعنا  القيلَ   والأقوالَ  حتى          رأينا  في جرائدنا  اضــــطرابا

فكمْ مِنْ خائفٍ قد  جاءَ يرجــو          نصيحةَ  صـــادقٍ ثم استجابا

ورُبَّ   مُمـارسٍ   للطبِّ  أفتى         عن (الفيروسِ) لم يـقرأ  كتابا

وما  أفتيتُ  إلا   بعدَ   درسٍ          وعلمٍ  قد  بلــغتُ  بــه  اللُّبابا

إذا ما الداءُ أوغلَ في  مريضٍ          فحاذر أن  تســـيرَ  له اقترابا

ولا  تمددْ   لموبــوءٍ      بكفٍّ          ولـو  قابلتَ  خَودًا  أو كَعابا

ثم أتى المنادي، على التطعيم ينادي، فأخذنا الجرعة، بلهفة وسرعة. وما كان فينا من خافْ، لأن سر التطعيمَ غيرُ خافْ. وسألني أحد الصحابْ وهو يعرف الجوابْ: هل أحسست للإبرة بألمْ، فقلت كوخزة من قلمْ، ثم أضفت له ما أستحلي من أشعار الحِلِّي:

من كان يعلمُ أن الشَّهْدَ مطلبُهُ      فلا يخاف لِلَدْغِ النَّحْلِ من ألَمِ

ولما حانَ الانصرافْ، سترنا الأزناد والأكتافْ، وشكرنا الطبيب المضيافْ، وودَّعْتُ الرفاقَ الظِّراف.

وفي الختامْ تقبلوا مني السلامْ.

د. حجر أحمد البنعلي

* الهامش: عبد الله: الأخ عبد الله بن خليفة العطية وجاسم: زميلي الدكتور جاسم السويدي.

bottom of page