الدكتور جعفر الكويتي طبيب قلب عراقي، هاجر أجداده من منطقة الكويت قديماً، كما قال لي. أتى إلى قطر بقصد العلاج بعد أن أصيب بمرض السرطان لعدم توافر الدواء في العراق بسبب الحصار آنذاك. وعمل في قطر في عيادة خاصة، بينما جري علاجه في مؤسسة حمد الطبية. ولقد اجتمعت به في مكتبي لكونه زميلاً في المهنة ودعوته إلى منزلي للشد من أزره ومواساته ورفع معنوياته. فوجدته إنساناً رقيق المشاعر وشاعراً موهوباً وصاحب عزيمة قوية، وتحدث عن مرضه ومعرفته بقرب الأجل بشجاعة الأبطال ومعرفة العلماء.
ولقد تأثر من عطفي على حالته فكتب إلي القصيدة التالية:
إلى معالي الدكتور حجر أحمد حجر البنعلـي المحترم،
يابـنَ العلـيِّ فـداك الـروحُ والجَسَــدُ وزالَ عنـكَ نُكـوصُ الدهـرِ والكمَــدُ
أخي الطبيبَ علينا الصبـرُ والجَلَـــدُ على الرزايـا ومنـكَ العَـونُ والسَّنَــدُ
ومِــن سوابــغِ نعمـاءٍ تمـــنُّ بهــا على النفـوسِ يهـونُ التعـسُ والنكــدُ
أنـتَ المُـدِلُّ علـى قلبــي بحكمـتـهِ وأنـتَ أنـتَ العزيـزُ الصابـرُ الجلِــدُ
ناشدتـكَ العـونَ مـن خرسـاءَ صامتـةٍ يُضــري المحاجـرَ مسـراها فتتَّقـــدُ
كفكـفْ نشيـجَ دموعـي فالدمـوعُ دَمٌ إن كـانَ نبـعَ شجـاها القلـبُ والكبِـدُ
ودعْ لنفسـيَ بعــضاً مـن تجلُّـدِهــا فقـد أمَضَّ حشـايَ الحُـزنُ والكمَـدُ
ستـونَ مـرت ولم يَجنـحْ بـهـا سبــبٌ إلـى الهمـومِ ولم يجنـفْ لهـا رَغَــدُ
أَوَتْ إلى الظـلِّ فـي أحضــانِ ساقيــةٍ حَبـا بهـا رغـم تمـوزَ اللظـى بَـرَدُ
لم تدّخـر مـن ريـاضِ السعـدِ وارفـةً ولا تقطّـعَ مـن أندائهــا صَفَـــدُ
حتى إذا الدهـرُ لم يهجـعْ على رِفَـــةٍ ونالـه مـن معاصـي وهنِـهِ حَـــردُ
ألقـى علـيَّ بأمِّ البيـــنِ ظامئـــةً عطشـى تفتشُ عن وِردٍ فلا تَجـــدُ
أستغفـرُ اللهَ لا كـذبٌ و لا مـلَـــقٌ ولا ريـــاءٌ ولا زيـــفٌ ولا أَوَدُ
ولا شكـاةٌ ففـي البلـــوى لتذكــرةٌ للناظريـن إلى العقبـى وإن جهــدوا
لكنني أستمــدُّ العـذرَ من شَـجَـنٍ لا الصبـرُ ينأى به عنـي ولا الأمَــدُ
كيف التأسّـي ودربُ البيـنِ متّصــلٌ والعاطفـاتُ بــهِ تجـري وتطّــرِدُ
وفي مدامعِنـا العبْــراتُ تائهــــةٌ بالصمتِ تَضـرى وبالأنّــاتِ تَبتــرِدُ
قد خلَّـفَ السُّقـمُ جُرحـاً ليسَ يُبرئـهُ طِـبٌّ ولا تحتـوي أنـزافَـهُ ضُمَــدُ
عهـدٌ علـيَّ لو انَّ الــموتَ ساومنــي لكـانَ بعضَ فداكَ النفـسُ والولَـــدُ
هـا إِننـي ونيـوبُ البيـنِ تمـضغنــي وشملُنـا بعد أعـوامِ الصَّفــا بَــدَدُ
كـأَنما الأمـسُ طيـــفٌ مرَّ في حُلُــمٍ فمـا تضّمنَـهُ وعـيٌ ولا خَـلَــدُ
وبئــسَ دهـــرٌ إذا أيامُـه سَلِمَــتْ تناوبت غدَهـا مـن لؤْمــه عُقَــدُ
تسوسُـهُ سُنَّـةٌ خرقــاءُ عابـثـــةٌ فليس يعلـمُ ما تأتــي بـه أَحــدُ
ما أغفـلَ المـرءَ تستهويـه فكرتُــه ويستبــدُّ بـه في الوهـمِ معتقَــدُ
يـدورُ في فلـكٍ جــمٍّ تَـروّجُـــهُ والـدربُ فيما تـرى أوهامَـه جُـددُ
ويحسـبُ العيشَ حقـلاً في أرائكــه رِفـدٌ ووُدٌّ وإكـرامٌ لمـن يفِــــدُ
حتى إذا جــدَّ من أدرانِ طالعـــهِ جِـدٌّ وحامت به الأنواءُ والشِـــدَدُ
ألقى التوهّـمَ عنـه واستــبــان لـه من الحقيقــةِ وجـهٌ كالـحٌ لَبِــدُ
يـا أخُّ مثلَـك ما واسـى الهمـومَ أخٌ ولا صديـقٌ ولا جــارٌ ولا وَلَــدُ
يـا أخُّ لولاك لن يصفــو لي الزمـنُ ولـن يؤمِّلَنـي بالمُفرحــات ِ غَــدُ
فكـلُّ شيءٍ لـه مـا يستعـاضُ بــه لا شيء ليس لـه صِنــوٌ فيُفتَـقَـدُ
إلا حنانَـكَ فـذٌّ لا مثيـلَ لـــه بيـن النظائــرِ فهو المُفردُ الأحَــدُ
الدكتور جعفــر الكويتــي، الدوحـة – قطـر، مايو 2001