top of page

ليلى تبادله الأشعار

لقد أورد الرواة كما ذكر الأصبهاني في كتاب الأغاني1 أن ليلى العامرية كانت شاعرة، ولربما انطلق لسانها بالشعر بسبب الحب، حبِّها لقيس بن الملوح، ومما نسب إليها أنها قالت له:

 كلانا مظهرٌ للناسِ بُغضاً        وكلٌّ  عند   صاحبه  مكينُ

تبلغنا العيونُ   بما   أردنا        وفي القلبين ثَمَّ  هوًى  دفينُ

مكين: أثير ومُكرَم.

فأجابها قيس بقوله:

صريعٌ من الحبِّ المبرِّحِ والهوى   وأيُّ فتىً من عِلّةِ الحبِّ يسلَمُ؟!

المبرّح: المجهد، الشديد الأذى، وتباريح الحب: توهجه.

 

ونُسب لليلى العامرية وليلى الإخيلية ويزيد بن الطرثية:

 

ألا ليتَ شعري والخطوب كثيرةٌ           متى رحل قيسٍ  مستقلٌّ فراجعُ

بنفسي  من  لا  يستقلّ  برحله          ومن هو إن لم يحفظِ اللهُ ضائعُ

 

واشتهر أنها قالت:

أُخبرتُ أنك من أجلي جننتَ وقد         فارقتَ أهلكَ لم تعقلْ ولم تُفِقِ

 

وقالت:

لم يكن المجنونُ في حالةٍ       إلا وقد كنت كما كانا

لكنّه  باح   بسرّ  الهوى        وإنني قد ذبت كتمانا

 

ونسب إليها البيتان:

باح مجنونُ  عامرٍ  بهواه       وكتمتُ  الهوى  فمتُّ   بوجدي

فإذا كان في القيامةِ نودي       مَنْ قتيلُ الهوى؟ تقدمت وحدي

 

وقد قيل لليلى من أعز مخلوق لديك؟ قالت: من إذا نهضت فعثرت نهضت باسمه، وأنشدت:

إذا ذَهلت رجلي  بدأتُ  بذكره            وأحلُمُ  في  نومي   به  وأعـيشُ

إذا ذُكر المجنونُ  زالت بذكره            قوى النفسِ أو كاد  الفؤادُ يطيشُ

وواللهِ  ما  كاد  الفؤادُ   يُجنُّهُ            وإن كان صدري من هواهُ يجيشُ

جاشت تجيش القدر: غلت.

وقيل لها إنها إذا لم تنتهِ عن ذكره سيُقتلان معاً، فقالت:

توعَّدني قومي بقتلي  وقتله              فقلتُ اقتلوني واتركوه من الذنبِ

ولا تُتبِعوه  بعد  قتلي  ذِلَّةً              كفى بالذي يلقاهُ من سَوْرةِ الحبِّ

 

وذكر الوالبي3: قيل إن المجنون لما تراقت علته إلى صعوبة، وعسر علاجه، وأعيا الأطباءَ داؤه، ولم ينجع فيه الدواء، شق على ليلى فدعت بغلام وكتبت إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، واللهِ يابن عم، إن الذي بي أضعافُ ما بقلبك، ولكن وجدت الستر أبقى للمودة وأحمد في العاقبة. وكتبت:

 

فلو أن ما ألقى وما بي من الهوى        بأرعنَ  رُكناهُ    صَفاً  وحـديدُ

تقطَّع  من  وَجدٍ  وذاب    حديدهُ        وأمسى تراه العينُ  وهو عميدُ

ثلاثون  يوماً  كــلَّ   يومٍ    وليلةٍ        أموتُ  وأحـيا  إنّ  ذا   لشديدُ

صَفا: جمع صَفاة وهي الصخرة الملساء.

 

فأجاب:

وجدتُ  الحبَّ  نيراناً   تلظَّى             قلوبُ العاشقين لها وَقودُ

فلو كانتْ إذا احترقتْ  تفانتْ            ولكنْ كلما احترقتْ  تعودُ

كأهلِ النار إذ  نضجت جلودٌ            أعيدت للشقاء لهم  جلودُ

تلظى: تلتهب، واللظى: اللهب الخالص.

وقال مناجياً ليلى:

 أما والذي  أعطاكِ  بطشاً وقوةً         وصبراً وأزرى بي ونقّصَ من بطشي

لقد محّض الله الهوى لك خالصاً         وركَّبهُ  في  القلب  مني  بـلا  غِشِ

تبرَّأ من كلِّ  الجسومِ  وحلَّ  بي         فإن متُّ  يوماً  فاطلبوهُ على نعشي

سلي الليلَ عني هل أذوقُ رقادَه         وهل لضلوعي  مستَقرٌّ على  فرشي

 وقيل إن ليلى قالت:

 قد  كنتُ   حاذرةً    لـلدهر  عارفةً         أن سوف يطلبني بالرمي  مفتقِدا

حتى رماني بمن قد جلّ عن صفتي         فما أرى لي به ويْلي  الغداةَ  يدا

لِقْتُ  الدواةَ  بماءِ  العينِ   ثمَّ   به          كتبتُ ما يكتبُ المجهودُ إذ جُهدا

هذا  الوَداعُ  لمن روحي الفِداءُ  له          قد خِفتُ  أن لا  أراه  بعدَه  أبدا

لاق الدواة: أصلح مدادها.

 

ومر رجلٌ بليلى وهي واقفة على باب خبائها، فقالت أين تريد يا عبد الله؟ فقال أريد بني عامر، فزفرت زفرة وقالت:

 

يا أيها  الراكبُ   المزجيْ   مطـيَّته             عرّج لأنبئ عني بعض ما أجدُ

فما رأى الناس من وجدي تضمَّنهم             إلا ووجدٌ  به  فوق  الذي  أجدُ

أهوى  رضاهُ   وإني   في  مودته             وحبه   آخــرَ   الأيام     أجتهدُ

 

وتنسب الأبيات أيضاً إلى أم الضحّاك المحاربية.

عرض رجل من عشيرة قيس عليه أن يوصل تحيته لليلى فقال: قف بحيث تسمعك، ثم قل:

 

اللهُ  يعــلمُ  أن   النفس    هالكةٌ         باليأس منــكِ   ولكني  أعزيها

منَّيتكِ النفسَ حتى  قد أضرَّ بها         واستيقنتْ  خُلُقاً  مـما   أمنِّيها

وساعةٌ منكِ ألهوها وإن  قَصُرت         أَشْهى إليَّ من الدنيا وما فيها

 

فلما سمعت ليلى الأبيات بكت، وقالت أبلغه السلام وقل له:

 

نفسي فداؤكَ لو نفسي ملكتُ  إذن      ما كان غيرُك  يزجيها  ويرضيها

صبراً على ما قضاه الله فيكَ على       مرارةٍ في اصطباري عنكَ أُخفيها

يزجي: يسوق برفق.

 

ولما بلغ ذلك قيساً بكى حتى سقط على وجهه مغشيًّا عليه ثم أفاق وقال:

عجبتُ لعُروةَ العُذْريِّ أضحى          أحاديثاً   لقومٍ  بعدَ  قومِ

وعُروةُ مات موتاً    مُستريحاً          وها أنَا مَيِّتٌ في كل يومِ

bottom of page