معارضة لم تبق قدس
قصة القصيدة: في 6 ديسمبر 2017 أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووقعه أمام عدسات المحطات الفضائية، وأمر بنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس،خلافًا لجميع قرارات الأمم المتحدة. قرار الرئيس الأمريكي هذا المجحف بحق العرب والمسلمين، أثار مشاعر الشاعر، فتذكر قبل خمسين سنة قصيدة كتبها وهو شاب صغير يدرس في جامعة كولارادو الأمريكية، حين خسر العرب حرب 1967م مع إسرائيل، واحتلت الدولة اليهودية مزيداً من الأراضي العربية، وسلبت القدس. وكان الشاعر يتألم وهو يشاهد التلفزيون الأمريكي آنذاك يستهزِئُ بالعرب، ويشمت بهم ويحط من شأنهم. عندها عبر الشاعر عن مشاعره الحزينة في 10/6/1967 بكتابة قصيدة (حسرة)، التي نشرت في ديوانه (حنين إلى الخليج) قال فيها:
لم تبقَ قدسٌ بأيـدينا ولا سِــينا وما السفينُ سفينًا في مَــوانينا
فالقدسُ تبكي وتشكو أنها أُسِـرت يا ويحَ قوميَ إنَّ القدسَ تشكونا
نامت قيادتُنا تاهت عـساكرُنا قلَّـتْ مرابِعُنا، زادت نـواعينا
أيامَ هــارونَ كنّا أمَّةً، فغدت تلك الحقيقةُ بعضًا من أمانينا
كانت لنا الأرضُ تعلوها بيارقُنا لا تهطلُ السحبُ إلا في روابينا
تفرّقَ الشملُ بعدَ الجمعِ وا أسـفي على الليالي التي كانت ليالينا
فكم غزونا وأفنينا العِـدا زمناً واليوم نهربُ والأعداءُ تغزونا
هذا التفرّقُ يا ويلاه أضـعفنا بل كادَ يُهلــكُنا أو كادَ يفنينا
فلْنتّحدْ كلُّنا حـالاً بـلا مَطلٍ فوحـدةُ العُرْبِ بعدَ اللهِ تُنــجينا
وعندما تذكر الشاعر تلك القصيدة القديمة شعر بالرغبة في معارضتها فكتب:
(لم تبقَ قدسٌ بأيدينا ولا سِيــنا) قصيدةٌ قلتُها من قبلِ خمـسينا
(تفرَّقَ الشملُ بعد الجَمعِ) قلـتُ بها واليومَ هأنذا أشكو تَجافينا
خَمسونَ عامًا مضت مُذ كنتُ أكتُبُها واليومَ يا قدسُ مِثلُ الأمسِ ماضـينا
(فلْنتَّحد) قلتُها، واليومَ وا أسفي (أضحى التنائي بديلاً من تَدانينا)1
أحزانُنا مزّقَت أكبــادَنا أسَفًا وزادَنا شَجَنًا شَمتُ العِدى فينا2
خَمسونَ عامًا وسلبُ القدسِ يؤلِمُنا بَغيًا ويقهرُنا ظُلمًا ويُشجينا
صارت مصائبُنا تَكوي ضــمائرَنا كادَت مشاعِرُنا باليأسِ تُردِينا
لقد رَمَى الغَربُ في وِجدانِ أمَّتِـنا أبناءَ صهيونَ فاحتلّوا روابينا3
قد مهّدوا لاغتصابِ القدسِ خـطَّتَهم فوطّنوا قومَهم بالبغي توطـينا
صوتُ النواقيسِ والتــكبير ميّزها والناسُ تتبعُ ما ترضى لها دينا
فالقدسُ مَوطنُ كَنعــانٍ وقبلتُنا فيها كنائسُنا صاحَت تنادينا
تمكّنت من قلوبِ العُربِ قاطبةً وزادها الدينُ والإيمانُ تمـــكينا
استنجَدت عربًا والمســلمينَ لها فأنجدوها بدعواتِ المُصلينا4
والقدسُ تَعجَبُ مما نحنُ نفعَلُه: ندعو عليهم كثيرًا في نوادينا
مَن غيرَ اِبنِ فلسطينٍ يَهُبُّ لها ساداتُنا في رِضا (دُولندَ) لاهونا5
ولاتُنا خضعوا للذُّلِ ويلَهمُ جُبنُ الولاةِ وهذا الذُّلُّ يُضنينا6
ولاةُ أمرٍ، لهم يدعو أ ئمّــتُنا بطولِ عمرٍ، فيدعو الناسُ: آمـيـنا
****
نِلنا من العزِّ قبلَ اليومِ ما شــينا واليومَ ما خطبُنا خابت مَســـاعينا؟
(كانت لنا الأرضُ تعـلوها بيارِقُنا) إذ قلتُ مفتخرًا أزهو بمــاضـينا7
كنَّا نَسيرُ إلى العَلياءِ في زمنٍ كانت نُجومُ السما تَرنو لحادينا8
لم يُعرَفِ المجدُ إلا في مواطِنـنا ولا المكارمُ إلا من أيادينا
لم يُجدِنا اليومَ ما شادت أوائلُنا إذ نحنُ في رحمةِ الأعلاجِ آوونا9
دَعِ البطولاتِ من تاريخِ أمَّتِـنا دَع عنك يَرموكَ يا صاحِ وحِطِّـينا10
كنَّا ملَكنا الدُّنى أيّـامَ قوَّتِـنا واليومَ صِرنا بلا حَولٍ مساكينا
لم يبقَ من عِزِّنا شيءٌ لمَـفخَرةٍ حتى الرسومُ طَمسناها بأيديـنا11
نَستعطِفُ الغربَ ومْريكا حِمـايَتَنا نحنُ النِّعاجُ فكيفَ الذئبُ يَحمينا؟
عَلاقةُ العُربِ بمْريكا مقدّسةٌ وهي التي غَـرَزت فينا السكاكينا
عدا علينا طُغاةُ الغَربِ ثم ضَرت تسومنا الظلمَ أمريكا وتَغزونا
****
الحقُّ والعدلُ والإنصافُ يُرضـينا شعبُ (الوِلاياتِ) شَعبٌ لا يُعادينا12
لا تـأخذوا أهلَ أمريكا بساسـتِها لا تَعذِلوهم، فما كانوا مُعادينا
رحلتُ أدرسُ في العشرين من عُمُري ذكرى الصبا آنذاكَ اليومَ تُصبينا13
ذهبتُ أطلبُ علمًا في معاهدِهم وقد نهلتُ وأسعـفتُ المُصابينا
عاشرتُهم زَمَنًا شاركتهم عَمَلاً رافقتهم أَمَدًا، سُهدٌ ليالينا
عرفتُ فيهم أُصيحابًا أشارِكُهم في العطفِ والرفقِ إذ كنَّا المُــداوينا
إني لأشهَدُ ما سـاءُوا لمُغتَرِبٍ أيامَنا، ولنا كانوا مُـحـبِّينا
هذي الحروب التي شُنّت وأضــرمَها ساساتُهم، ما لها كانوا مُقريـنا
قالوا انتخَبنا قياداتٍ تمثِّلُنا العَدلُ في دارِنا يُغني ويكفينا
لا يعبؤُون بِما في الأرضِ مـــن لَهَبٍ ساهونَ عن خارجِ اْمريـكا ولاهونا
لا يُدركونَ الذي تَجني حكومتُهم على الشعوبِ هنا، ظلمًا فتُشــقِينا
****
ما بالُ والدِ إيفانكا يُعـادينا يَنالُ من مالِنا والسُّمَّ يُسقينا؟14
(دونلدُ) يَفجَعُنا بالقدسِ مُبتَهِجًا قد قدّمَ القدسَ .. يستهوي أعادينا
وصار يُشعِلُ في كلِّ الدُّنى فِتَنًا يا ليتَهُ عن حروبِ اليومِ يُقـصِينا
يَجني علينا ويَجني من مَــــوارِدِنا يَحمي لُصـوصًا وحكّامًا تُعادينا
لا تسألوهُ لَنا عَدلاً ليُنـــصِفَنا مَن قالَ إن أبا (إيفـانْـكَ) قاضينا؟
دَعت عليهِ جُموعُ المسـلـمينَ بأن يَغَصَّ غصًا (فقالَ الدهرُ آمينا)15
يا صِهرَ كُشْنَرَ إنّ الصِّهرَ ضَلّلَكم بالدينِ حينًا وفي كَسبِ الرِّضا حِينا16
****
أشجانُـنا كَثُرت زادَت أفانينا تزدادُ سوءًا مَـدى الأيامِ تُفنينا
طغى الخنوعُ على قَومِي وأمَّتـِنا فاستسلَمَت، قَبِلت ذُلَّ المُذِلينا
لم تأبَ سادتُنا أن يُستَبدَّ بِنــا فلا نَرُدُّ أذى مَن صارَ يُؤْذينا
لقد نَشأنا بأشجانٍ تعاوِدُــنا سَلبُ الديارِ وهذا الذُلُّ يُشــجينا
كأنَّنا مِحمَلٌ والريحُ تَـدفَعُهُ سكّانُ مِحمَلِنا في غيرِ أيديــنا17
يا وَيحَ نفسِيَ ماتت أمَّتِي أسَفًا لَعَلَّ جيلَ غدٍ يا قَومُ يُحـيينا
10 ديسمبر 2017
الشرح:
1. اقتباس من قصيدة ابن زيدون الشهيرة.
2. إشارة لاستهزاء وشماتة التلفزيون الأمريكي بالعرب في حرب 1967.
3. الوِجْدَان: الضمير، ووِجْدَانُ الْمَرْءِ: نَفْسُهُ وَقُوَاهُ البَاطِنِيَّةُ، وموطن كل العواطف والرغبات والأحاسيس.
4. المقصود أن العرب والمسلمين تقاعسوا عن نجدة القدس بالرجال والسلاح في محنتها، واكتفوا بالدعاء لها في المساجد فقط.
5. دولند: الرئيس الأمريكي دونلد ترامب.
6. يضني: ينهك ويسقم.
7. الاقتباس من قصيدة (حسرة) المذكورة أعلاه.
8. ترنو إلى الصوت: تصغي بإعجاب وتَطرَب، وترنو إلى الشيء: تُديم النظر فيه.
9. الأعلاج: جمع عِلج وهم كفار العجم.
10. اليرموك: معركة اليرموك بين المسلمين والروم سنة 636م انتصر فيها المسلمون. وحطين: معركة حِطين بين الصليبين والمسلمين سنة 1187م التي انتصر فيها المسلمون أيضًا بقيادة صلاح الدين.
11. إشارة إلى ما هدم وأحرق الإرهابيون في سورية والعراق من آثار، ونهبوا كنوزًا أثرية باسم الإسلام.
12. الولايات: الولايات المتحدة الأمريكية، التي غالبًا ما نكتفي بتسميتها أمريكا.
13. تُصبي: تستميل وتستهوي.
14. إيفانكا: الابنة المحبوبة، ومستشارة أبيها الرئيس الأمريكي دونلد ترامب.
15. الاقتباس من قصيدة ابن زيدون المذكورة أعلاه.
16. كُشنر: رجل يهودي،متعصب لإسرائيل، وزوج إيفانكا ابنة الرئيس ترامب.
17. مِحمل: مصطلح خليجي لسفينة خشبية كبيرة تعبر المحيطات. السكان: دفة السفينة.