رثاء قيس بن الملوح
لقد قضيت أشهراً عديدة أقرأ ما تيسر في كتب الأدب من معلومات شائقة عن مجنون ليلى، واستوعبت تفاصيل قصته الحزينة. وكما تأثرت بأشعار حبه الرقيقة عندما سمعتها في طفولتي، تأثرت بها الآن أيضاً، ولكن بوعي وإدراك أعمق، جعلني أشخص أمراضه الواضحة في شعره. وقد يكون غريباً أن أرثيَ شاعراً بعد أربعة عشر قرناً من وفاته، ولكني شعرت وأنا أقرأ عن وفاته كأنها وقعت أمس. فشاعر خالد الشعر، صادق في حبه السامي العفيف مثل قيس، يستحق الرثاء، وإن أنكر البعض حقيقة وجوده ووجود محبوبته ليلى.
يا قيسُ عِشـتَ وما أتيتَ حَراما قد كنتَ للحُبِّ الطـهورِ إماما
يا عاشِقاً فـاقَ الأنامَ بحُبِّهِ والموتُ عجَّلَ ما أصابَ مَراما
يا قيسُ أشجـاني بكاؤك يافعاً بل كنتُ طفلاً ما بلغتُ غُلاما1
فسمعتُ شعرَكَ في الطفولة والصِّبا وازددتُ في شيبي لهُ إعظاما
يا شاعرَ الحبِّ العفيفِ عرفتُـهُ يبكي الحبيبَ ولم يُطِعْ مَن لاما
ما خفَّ شَوقُك للحبـيبِ ولا خَبا حُبٌّ يَزيدُ مـع الزمانِ هُياما
كم قَّلدَ الشعراءُ شِعرَك في الهوى تَبِعوا خُطاكَ فأرهقوا الأقداما
تُشجي وتَسبي قلبَ كلِّ خريدةٍ بقصـيـدةٍ وتهيّـجُ الأحلاما2
من أجلِ ليلى ما حَبَستَ مدامِعاً أغدقتَ دمعَك في القِفارِ سِجاما3
تُهدي الحبيبَ مع الرياحِ قصيدةً ومع الحَمامةِ دمعةً وسلاما
في داءِ قلبكَ تاهَ أربــابُ النُّهى لكنَّ لي في قلـبِكَ الإلماما
ردَّدتُ شِعــركَ صامتاً بتمَعُّنٍ حتى أُســرتُ بسحرهِ أيّاما
أمضـيتُ أياماً لشعرِكَ دارساً أتفحّصُ الأعـراضَ والآلاما
حتـى بدا لي داءُ قلبِكَ واضحاً فيما شكوتَ صبابةً وغَراما
ولقد وجـدتُ بما ذكـرتَ أدلَّةً كشـفت بأشعارِ الهوى آلاما
فالداءُ بانَ وقد كشـفتُ غِطاءَه بتمَعُّني فيما شـكوتَ خِتاما4
سأبيِّنُ الأمـراضَ فيـما قلتَهُ ووسيلـتي طِبٌّ أزالَ لِثاما
فالحُبُّ أنحـلَ قلبَ صَبٍّ عـاشقٍ فغزاهُ داءٌ في الفؤادِ أقاما
فالعشقُ داءٌ زادَ داءَ فـؤادهِ همًّا ويأسـاً قاتلاً وسَقاما
فالقلبُ عضوٌ لا يؤثِّرُ في الجَوى والحُبُّ يُرسلُ للفؤادِ سِهاما5
فالداءُ في الشريانِ أنشأهُ الهوى فسرى بقلبِ مُعَذَّبٍ وترامى6
فالحُبُّ داءٌ للقـلوبِ يُميتُها ويُزيلُ من عُمرِ الفتى أعواما
فالله يرحمُكمْ ويـــرحمُ مثلَكمْ صبًّا عَفيفاً صــادِقاً هيَّاما
الشرح:
1. يافع: غلام شارف الاحتلام.
2. تشجي: تحزن. تسبي القلب: تأسره.
3. سَجمَ: سال، ساجم: دامع.
4. ختاما: في آخر قصيدة من قصائد المجنون.
5. الجَوى: الحرقة وشدة الوجد والحزن، والمقصود علميًّا أن القلب لا يؤثر في الحب ولكنه يتأثر به.
6. الشريان: شريان القلب التاجي.