ما للطبيب؟ معارضة قصيدة الدكتور جعفر
أقام الدكتور حجر وليمة على شرف الدكتور جعفر وأمسية شعرية في منزله في 4 يونيو 2001 حضرها الطبيب المعالج للدكتور جعفر وبعض أصدقاء الدكتور حجر. ألقى الدكتور جعفر قصيدته المذكورة سابقاً (أخي الطبيب) في الحفل وفاجأه الدكتور حجر بقصيدة معارضة (ما للطبيب؟) واسى فيها الدكتور جعفر في مرضه وذكر العراق وتاريخه وما يتعرض له من حصار وعدوان.
ما للطـبيبِ (بأُمِّ البينِ) يَعـتَقـدُ كأنَّهُ بخطــوبِ الدَّهرِ يَنفَرِدُ
كفكفْ دمـوعَكَ إنّ اللهَ ألهـمَنا علماً يبرِّدُ ما في الجِسمِ يتَّقِدُ
والطِّبُّ ينجَعُ فيما كانَ مُعضِلةً فالداءُ يَشفيهِ ربٌّ قادرٌ سَندُ
قد صارَ داؤُكَ سـهلاً لا يخوِّفُنا ولا إخالُ طبيباً منه يرتَعِـدُ
فاصدحْ بشعرِكَ فالأشعارُ آسيةٌ (إن كان نبعَ شجاها القلبُ والكبِدُ)
ذكَّرتَني بقصيدٍ كنتُ أَقرِضُــه لما اعترانيَ داءُ العُنقِ والسَّهَدُ
أحسستُ مثلَكَ أحزاناً تؤرِّقُني والهمُّ يعصِفُ والأوهامُ والكمَدُ
والبُعدُ عن بلَـدٍ والخَـوفُ من قدَرٍ أجرى دموعيْ على خدَّيَّ تطَّرِدُ
لكنّ ربيَ أنجاني برحمَــتهِ ورحمةُ اللهِ لم يُفلحْ بها الحَسَدُ
فالله يُنجيكَ من داءٍ ومن ألمٍ وهْوَ المُعينُ الإلهُ الواحدُ الأحدُ
يابن الفرات دعوتُ اللهَ يرفِدُكم مدًّا من العُمرِ فهْوَ الرافدُ الصمَدُ
أكرمْ ببغـدادَ داراً لا مثيلَ لها فما لأمجـادِها حصْرٌ ولا عددُ
قد زُرتُ بغدادَ والأصحابُ في دَعَةٍ فقرّبوني وجـادوا فوق ما وَعَدوا
قومٌ إذا ذُكِروا ضاءتْ فِعالهمُ كأنهم سُرُجٌ فـي الليلِ تَتّقِدُ
شوقي لهمْ وأُوارُ الحبِّ يُنطِقُني إن صارخٌ مَسّهـمْ أو مَسَّهمْ برَدُ
ولستُ أملِكُ إلا الشعرَ أكتُبهُ كأنه شُعلَــة ٌ في صفحةٍ أَقِـدُ
إن لامني الناسُ فيما قلتُ أذكرُهم فليعذلوني وهمْ في لومِهم جَحَدوا
ولستُ أعذُرُ ما قامَ العراقُ به لمَّا غَزا أخوةً في دارِهم رَقدوا
بلْ أوجدَ العُـذرَ للأعداءِ "تُنقِذُنا" من الأشقَّـاءِ والأرزاءُ تطَّــردُ
فجاءَ أعداؤنا حتى نحالِفَـهم على الدفاعِ وفي أوطانِنا هجدوا
ومزّقُونا كمـا شـاءتْ صَهـاينةٌ وشتَّتُونا وهمْ فـي سَلْبِنا اتّحدوا
أهلُ العِراقِ همُ للعُربِ أدرعةٌ الوَهْنُ أنهكنا لمَّا همُ ابتعــدوا
فلْنصفحِ اليومَ يا عربـانُ قاطبةً أما كفى الموتُ والتجويعُ والنَّكدُ؟
أَلا طبيبٌ يُداوي جُـرحَ أمَّتِـنا ببلسمٍ يرتضيهِ القـلبُ والكبِدُ
يابنَ العِراقِ لكم مَجـدٌ يُميّزكمْ (رِفدٌ ووُدٌّ وإكـرامُ لمن يفدُ)
آثارُكم في ثرى بغـدادَ مشرقةٌ وقبلَها بابـلٌ في المجدِ تنفردُ
واليومَ جَورٌ وتجـويعٌ يحاصرُكمْ العدلُ مـاتَ .. فسادَ الجَورُ والأوَدُ
تعاضدَ الغربُ في تجويعِ شعبِكمُ وقد خُذلتمْ ولم ينهضْ لكم عَضُدُ
فما تجرأ تكسـيرَ الحِصارِ أخٌ ولا صديقٌ ولا جارٌ لكم يفِدُ
هل ينقضي أمدُ التجويعِ ويلَهمُ أم أنه أبدٌ لا ينقــضي الأبدُ؟
كم عطَّـلوا حبَّةً للطـفلِ قد طُلِبت وقصدُهم قتلُه يا بئسَ ما قصدوا
عارٌ على العُرب أن يفنى صِغارُكمُ بِلا دواءٍ ولم يغضبْ لهم أحدُ
حتى العِقابُ (ذَكاءٌ) قيلَ ويلَهمُ ذاكَ الذكاءُ غَباءٌ ما به رشَدُ1
صبراً على الدَّهرِ إنّ الدهرَ منقلِبٌ ما دامَ كِسرى ولا الرومانُ قد صمدوا
وقد صبرتم ولم يركعْ لهم رجلٌ ولا فتـاةٌ ولا شيـخٌ ولا ولدُ
أجدادُنا في ثراكمْ ركَّعـوا أُسُداً فما غريبٌ لكمْ أن تركــعَ الأُسُدُ
كفكفْ دموعَكَ إنَّ اللهَ ناصِرُكم لا الدَّاءُ دامَ ولا أعــداؤكم خلدوا
يابن الفرات حباكَ اللهُ عافيةً وصِحَّـةً ما بها داءٌ ولا نـكدُ
الشرح:
1. في 14 مايو 2002 غيرت الأمم المتحدة تسمية المقاطعة والحصار المفروض على العراق منذ 6 أغسطس 1990 إلى الحصار الذكي (Smart sanction) أي يسمح للبضائع المدنية بدخول العراق.
ولقد انتقل الدكتور جعفر إلى رحمة الله بعد حوالي سنة من تلك الأمسية. رحمه الله تعالى وأدخله فسيح جناته.